كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأنت تعلم أنه لا ضرر في إنكار صحة هذا الخبر، وقيل: إنه عليه السلام لم يسمع صوتًا أصلًا وإنما فهم ما في نفس النملة الهامًا من الله تعالى، وقال الكلبي: أخبره ملك بذلك وإلى أنه لم يسمع صوتًا يشير قول جرير:
لو كنت أوتيت كلام الحكل ** علم سليمان كلام النمل

فإنه أراد بالحكل ما لا يسمع صوته؛ وقال بعضهم: كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرت عنهم مخافة حطمهم فتبعها غيرها وصاحت صيحة تنبهت بها ما بحضرتها من النمل فتبعتها فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم ولذلك أجروا مجراهم حيث جعلت هي قائلة وما عداها من النمل مقولًا له فيكون الكلام خارج مخرج الاستعارة التمثيلية، ويجوز أن يكون فيه استعارة مكنية وأنت تعلم أنه لا ضرورة تدعو إلى ذلك.
ومن تتبع أحوال النمل لا يستبعد أن تكون له نفس ناطقة فإنه يدخر في الصيف ما يقتات به في الشتاء ويشق ما يدخره من الحبوب نصفين مخافة أن يصيبه الندى فينبت إلا الكزبرة والعدس فإنه يقطع الواحدة منهما أربع قطع ولا يكتفي بشقها نصفين لأنها تنبت كما تنبت إذا لم تشق.
وهذا وأمثاله يحتاج إلى علم كلي استدلالي وهو يحتاج إلى نفس ناطقة.
وقد برهن شيخ الأشراف على ثبوت النفس الناطقة لجميع الحيوانات.
وظواهر الآيات والأخبار الصحيحة تقتضيه كما سمعت قديمًا وحديثًا فلا حاجة بك إلى أن تقول: يجوز أن يكون الله تعالى قد خلق في النملة إذ ذاك النطق وفيما عداها من النمل العقل والفهم وأما اليوم فليس في النمل ذلك.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن الظاهر أن علم النملة بأن الآتي هو سليمان عليه السلام وجنوده كان عن إلهام منه عز وجل وذلك كعلم الضب برسول صلى الله عليه وسلم حين تكلم معه وشهد برسالته عليه الصلاة والسلام، والظاهر أيضًا أنها كانت كسائر النمل في الجثة، وفيه اليوم ما يقرب من الذبابة ويسمى بالنمل الفارسي، وبالغ بعض القصاص في كبرها ولا يصح له مستند.
وفي بعض الآثار أنها كانت عرجاء واسمها طاخية، وقيل: جرمي، وفي البحر اختلف في اسمها العلم ما لفظه وليت شعري من الذي وضع لها لفظًا يخصها أبنو آدم أم النمل انتهى، والذي يذهب إلى أن للحيوانات نفوسًا ناطقة لا يمنع أن تكون لها أسماء وضعها بعضها لبعض لكن لا بألفاظ كألفاظنا بل بأصوات تؤدي على نحو مخصوص من الأداء ولعله يشتمل على أمور مختلفة كل منها يقوم مقام حرف من الحروف المألوفة لنا إذا أراد أن يترجم عنها من عرفها من ذوي النفوس القدسية ترجمها بما نعرف، ويقرب هذا لك أن بعض كلام الإفرنج وأشباههم لا نسمع منه إلا كما نسمع من أصوات العصافير ونحوها وإذا ترجم لنا بما نعرفه ظهر مشتملًا على الحروف المألوفة، والظاهر أن تاء {نَمْلَةٌ} للوحدة فتأنيث الفعل لمراعاة ظاهر التأنيث فلا دليل في ذلك على أن النملة كانت أنثى قاله بعضهم.
وعن قتادة أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال: سلوا عما شئتم وكان أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه حاضرًا وهو غلام حدث فقال: سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكرًا أم أنثى؟ فسألوه فافحم فقال أبو حينفة: كانت أنثى فقيل له: من أين عرفت؟ فقال من كتاب الله تعالى وهو قوله تعالى: {قَالَتْ نَمْلَةٌ} ولو كان ذكرًا لقال سبحانه قال نملة، وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم: حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي كذا في الكساف، وتعقبه ابن المنير فقال: لا أدري العجب منه أم من أبي حنيفة إن ثبت ذلك عنه، وذلك أن النملة كالحمامة والشاة تقع على الذكر وعلى الأنثى لأنه اسم جنس فيقال: نملة ذكر ونملة أنثى كما يقولون: حمامة ذكر وحمامة أنثى وشاة ذكر وشاة أنثى فلفظها مؤنث ومعناها محتمل فيمكن أن تؤنث لأجل لفظها وإن كانت واقعة على ذكر بل هذا هو الفصيح المستعمل، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يضحى بعوراء ولا عمياء ولا عجفاء» كيف أخرج عليه الصلاة والسلام هذه الصفات على اللفظ مؤنثة ولا يعني صلى الله عليه وسلم الأناث من الأنعام خاصة فحينئذ قوله تعالى: {قالت نملة} روعي فيه تأنيث اللفظ وأما المعنى فيحتمل التذكير والتأنيث على حد سواء، وكيف يسأل أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه بهذا ويفحم به قتادة مع غزارة علمه، والأشبه ان ذلك لا يصح عنهما. اهـ.
قال ابن الحاجب عليه الرحمة: التأنيث اللفظي هو أن لا يكون بإزائه ذكر في الحيوان كظلمة وعين، ولا فرق بين أن يكون حيوانًا أو غيره كدجاجة.
وحمامة إذا قصد به مذكر فإنه مؤنث لفظي، ولذلك كان قول من زعم أن النملة في قوله تعالى: {قَالَتْ نَمْلَةٌ} أنثى لورود تاء التأنيث في {قَالَتْ} وهما لجواز أن يكون مذكرًا في الحقيقة، وورود تاء التأنيث كورودها في الفعل المؤنث اللفظي نحو جاءت الظلمة.
وأجاب بعض فضلاء ما وراء النهر وقال لعمر: أنه قد تعسف ههنا ابن الحاجب وترك الواجب حيث اعترض على إمام أهل الإسلام، واعتراضه بقوله: وورود تاء التأنيث كورودها الخ ليش بشيء إذ لو كان جائزًا أن يؤتى بتاء التأنيث في الفعل لمجرد صورة التأنيث في الفاعل المذكر الحقيقي لكان ينبغي جواز أن يقال: جاءتني طلحة مع أنه لا يجوز، وجوابه عن ذلك في شرحه بقوله: وليس ذلك كتأنيث أسماء الأعلام فإنها لا يعتبر فيها إلا المعنى دون اللفظ خلافًا للكوفيين.
والسر فيه أنهم نقلوها عن معانيها إلى مدلول آخر فاعتبروا فيها المدلول الثاني، ولو اعتبروا تأنيثها لكان اعتبارًا للمدلول الأول فيفسد المعنى فلذلك لا يقال: أعجبتني طلحة تناقض محض كأنه نسي ما أمضى في صدر كتابه من قوله فإن سمي به مذكر فشرطه الزيادة يعني فإن سمي بالمؤنث المعنوي فشرطه الزيادة على ثلاثة أحرف فلا يخفى على من له أدنى مسكة أن عقرب مع أن علامة التأنيث فيه مقدرة العلمية لا تمنعها عن اعتبار تأنيثها حتى تمنع من الصرف فكيف تمنع العلمية عن اعتبار التأنيث في طلحة مع أن علامة التأنيث فيه لفظية فإذن ليس طرح التاء عن الفعل إلا لأن التاء إنما يجاء بها علامة لتأنيث الفاعل، والفاعل ههنا مذكر حقيقي فكذا النملة لو كان مذكرًا لكان هو مع طلحة حذو القذة بالقذة.
وينصر قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ما نقل عن ابن السكيت هذا بطة ذكر وهذا حمامة ذكر وهذا شاة إذا عنيت كبشا وهذا بقرة إذا عنيت ثورًا فإن عنيت به أنثى قلت: هذه بقرة. اهـ.
وارتضاه الطيبي ثم قال فظهر أن القول ما قالت حذام والمذهب ما سلكه الإمام.
وفي الكشف إن التاء في نملة للوحدة فهنى في حكم المؤنث اللفظي جاز أن تعامل معاملته كتمر وتمرة على ما نص عليه في المفصل، ولا يشكل بنحو طلحة حيث لم يجز الحالق فعله التاء لأن أسماء الأعلام يعتبر فيها المعنى دون اللفظ خلافًا للكوفيين. إلى آخر ما ذكره ابن الحاجب، ولا نقض باعتبار التأنيث في عقرب ان سمي به مذكر ولا في طلحة نفسه باعتبار منع الصرف على ما ظنه بعض فضلاء ما وراء النهر.
وصوبه شيخنا الطيبي لأن اعتبار المعنى هو فيما يرجع إلى المعنى لا فيما يرجع إلى اللفظ، والحاق العلامة باعتبار الفاعل إما للتأنيث الحقيقي وإما لشبه التأنيث من الوحدة أو الجمعية ونحوها فإذا لم يبق المعنى أعني التأنيث وشبه التأنيث فلا وجه للإلحاق.
وأما منع الصرف فلا نظر فيه إلى معنى التأنيث بل إلى هذه الزيادة لفظًا أو تقديرًا وذلك غير مختلف في المنقول والمنقول عنه، وكفاك دليلًا لاعتبار اللفظ وحده في هذا الحكم تفرقتهم في سقر بين تسمية المذكر به والمؤنث دون عقرب فلو تأمل المناقض لكان ما أورده عليه لا له هذا، وإن ازمام رضي الله تعالى عنه كوفي والقاعدة على أصله مهدومة. انتهى. وهو كلام متين.
والحزم القول بعدم صحة هذه الحكاية فأبو جنيفة رضي الله تعالى عنه من عرفت وأن كان إذ ذاك غلامًا حدثًا.
وقتادة بن دعامة السدوسي بإجماع العارفين بالرجال كان بصيرًا بالعربية فيبعد كل البعد وقوع ما ذكر منهما والله تعالى أعلم.
والحطم الكسر والمراد به الإهلاك.
والنهي في الظاهر لسليمان عليه السلام وجنوده وهو في الحقيقة نهى على طريق الكناية للنمل عن التوقف حتى تحطم لأن الحطم غير مقدور لها نحو قولك: لا أرينك ههنا فإنه في الظاهر نهي للمتكلم عن رؤية المخاطب والمقصود نهى المخاطب عن الكون بحيث يراه المتكلم فالجملة استئناف أو بدل اشتمال من جملة {ادخلوا مساكنكم}، وقول بعضهم: إذا كان المعنى النهي عن التوقف حتى تحطم يحصل الاتحاد بين الجملتين يقتضي إنه بدل كل من كل بناء على أن الأمر بالشيء عين انلهي عن ضده وعلى ما ذكر لا حاجة إليه؛ وبالجملة اعتراض أبي حيان على وجه الإبدال باختلاف مدلولي الجملتين ليس في محله، وجوز الزمخشري كون لا يحطمنكم جوابًا للأمر، أعني ادخلوا و{لا} حينئذ نافية وتعقب بأن دخول النون في جواب الشرط مخصوص بضرورة الشعر كقوله:
مهما تشأ منه فزارة تعطه ** ومهما تشأ منه فزارة يمنعا

وفي الكتاب وهو قليل في الشعر شبهوه بالنهي حيث كان مجزومًا غير واجب.
وأرادت النملة على ما في الكشاف لا يحطمنكم جنود سليمان فجاءت بما هو أبلغ.
ونحوه قوله:
عجبت من نفسي ومن إشفاقها

حيث أراد غجبت من إشفاق نفسي فجاء بما هو أبلغ للإجمال والتفصيل.
وتعقب ذلك في البحر بأن فيه القول بزيادة الأسماء وهي لا تجوز بل الظاهر إسناد الحطم إليه عليه السلام وإلى جنوده والكلام على حذف مضاف أي خيل سليمان وجنوده أو نحو ذلك مما يصح تقديره وللبحث فيه مجال وجملة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} حال من مجموع المتعاطفين والضمير لهما.
وجوز أن تكون حالًا من الجنود والضمير لهم، وأيًا ما كان ففي تقييد الحطم بعدم الشعور بمكانهم المشعر بأنه لو شعروا بذلك لم يحطموا ما يشعر بغاية أدب النملة مع سليمان عليه السلام وجنوده، وليت من طعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم تأسى بها فكف عن ذلك وأحسن الأدب، وروي أن سليمان عليه السلام لما سمع قول النملة: {على وَادِى النمل} الخ قال ائتوني بها فأتوا بها فقال لم حذرت النمل ظلمي؟ أما علمت اني نبي عدل فلم قلت: {لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سليمان} وجنوده فقالت: أما سمعت قولي {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} ومع ذلك أني لم أرد حطم النفوس وإنما أردت حطم القلوب خشيت أن يروا ما أنعم الله تعالى به عليك من الجاه والملك العظيم فيقعوا في كفران النعم فلا أقل من أن يشتغلوا بالنظر إليك عن التسبيح فقال لها سليمان عظيني فقالت أعلمت لم سمي أبوك داود؟ قال: لا قالت: لأنه داوى جراحة قلبه وهل تدري لم سميت سليمان؟ قال: لا قالت: لأنك سليم القلب والصدر.
ثم قالت: أتدرى لم سخر الله تعالى لك الريح؟ قال لا قالت أخبرك الله تعالى بذلك أن الدنيا كلها ريح فمن اعتمد عليها فكأنما اعتمد على الريح.
وهذا ظاهر الوضع كما لا يخفى وفيه ما يشبه كلام الصوفية والله تعالى أعلم بصحة ما روي من أنها أهدت إليه نبقة وانه عليه السلام دعا للنمل بالبركة.
وجوز أن تكون جملة {هُمْ لاماناتهم يَشْعُرُونَ} في موضع الحال من النملة والضمير للجنود كالضمائر السابقة في قوله تعالى: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17] وقوله سبحانه: {حتى إِذَا أَتَوْا} وهي من كلامه تعالى أي قالت ذلك في حال كون الجنود لا يشعرون به وليس بشيء وقد يقرب منه ما قيل أنه يجوز أن تكون الجملة معطوفة على مقدر وهي من كلامه عزو جل كأنه قيل: فهم سليمان ما قالت والجنود لا يشعرون بذلك.
وقرأ الحسن وطلحة ومعتمرين سليمان وأبو سليمان التيمي نملة بضم الميم كسمرة وكذلك النمل كالرجل والرجل لغتان، وعن أبي سليمان التيمي نملة ونمل بضم النون والميم.
وقرأ شهر بن حوشب {مساكنكم} على الافراد.
وعن أبي {ادخلن مساكنكن لا يحطمنكن} مخففة النون التي قبل الكاف.
وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وعيسى بن عمر الهمداني الكوفي ونوح القاضي بضم الياء وفتح الحاء وشد الطاء والنون مضارع حطم مشددًا.
وعن الحسن بفتح الياء وإسكان الحاء وشد الطاء وعنه كذلك مع كسر الحاء وأصله يحتطمنكم من الاحتطام.